الجمعة - 29 مارس 2024

مفهوم العقار

مفهوم العقار

تعريف العقار .

لقد عرف المشرع الجزائري الملكية العقارية في المادة 27 من القانون رقم 90/25 المؤرخ في 18 نوفمبر 1990 المتضمن التوجيه العقاري([1]) .

فالملكية العقارية إذ لا تعدو سوى أن تكون سلطة مباشرة لصاحب العقار الذي يستطيع بموجبها أن يستعمله ويستغله ويتصرف فيه ضمن حدود القوانين والأنظمة المعمول بها, ومن بين التصرف في الملكية العقارية نقل الملكية العقارية انتقال تلك السلطة من شخص لآخر وفقا للقانون.

وللوقوف أكثر على حقيقة المقصود بالملكية العقارية يقتضي منا التطرق إلى تعريف العقار الذي يعرف بأنه الشيء الثابت المستقر في مكانه الغير قابل للنقل منه إلى مكان آخر بدون تلف([2]).

وقد عرف المشرع الجزائري العقار في المادة 683 من القانون المدني والتي تنص: ” كل شيء مستقر بحيزه وثابت فيه ولا يمكن نقله منه دون تلف فهو عقار وكل ما عدا ذلك من شيء فهو منقول ” .

ويؤخذ من التعريف السابق أن القانون يقسم الأشياء إلى عقار ومنقول, وقد عرف العقار بأنه كل شيء, مستقر بحيزه ثابت فيه لا يمكن نقله منه دون تلف كالأرض والمباني, ثم يبين أن المنقول هو كل شيء ما عدا العقار كالنقود والملابس ومع ذلك جعل القانون بعض المنقولات عقارات بالتخصيص, كما سنرى فيما بعد, كما جعل بعض العقارات منقولات بحسب المآل.

ويقسم الفقه الإسلامي الأموال إلى عقار ومنقول, ويرى المالكية أن العقار هو ماله أصل ثابت بحيث لا يمكن نقله وتحويله من مكان إلى آخر مع بقاء هيئته وشكله, فيشمل الأرض والمباني, أما المنقول فهو عندهم ما أمكن نقله وتحويله من مكان إلى آخر مع بقاء هيئته وشكله كالنقود والملابس([3]) وتتفق نظرة المالكية إلى العقار والمنقول مع نظرة القانون المدني الجزائري والمشرع المصري, غاية ما في الأمر أن تقسيم المالكية يرد على الأموال بينما تقسيم القانون يرد على الأشياء.

أما جمهور فقهاء الشريعة الإسلامية من غير المالكية فيرون أن العقار مالا يمكن نقله أو تحويله من مكان إلى مكان آخر, فيقتصر على الأرض فحسب, أما عداها فهو منقول لأن المنقول عندهم هو ما أمكن نقله وتحويله من مكان إلى آخر كالمباني والنقود والملابس(2) , وتختلف هذه النظرة الأخيرة في الفقه الإسلامي عن نظرة القانون إلى العقار والمنقول.

أما فكرة العقار بالتخصيص والمنقول بحسب المآل فلا وجود لها في الفقه الإسلامي(3) , ولقد رأينا أن القانون المدني يعرف العقار بأنه ” كل شيء مستقر بحيزه وثابت فيه ولا يمكن نقله منه دون تلف “(4) , كالأرض والأشجار المغروسة فيها والمباني.

ولما كان هناك عقار بالتخصيص, لهذا كان المقصود بالعقار هنا هو العقار بطبيعته فكل مساحة من الأرض تعتبر عقارا بطبيعته, لأنها ثابتة في مكانها مستقرة في حيزها, وإذا نقل الشيء منها كبعض الأتربة أو الصخور مثلا, تغيرت الأرض وتلفت غالبا, وتشمل الأرض سطحها وما في باطنها كالمعادن مثلا, طالما كان ما في باطن الأرض متصلا بها اتصالا ثابتا مستقرا في حيزه.

وعلى هذا الأساس لا يعتبر الكنز المدفون في باطن الأرض عقارا, لأنه يمكن نقله من حيزه دون تلف, وقد رأينا أن العقار هو ما لا يمكن نقله من حيزه دون تلف وتعتبر الأشجار والنباتات المغروسة في الأرض, عقارا بطبيعته لأنها ثابتة في حيزها.

كما تعتبر ثمار هذه الأشجار وتلك النباتات عقارا بطبيعته طالما كانت متصلة بها, ومن المسلم به أن الأشجار وسائر النباتات وثمارها طالما كانت مغروسة في الأرض تعتبر عقارا بالرغم من أنه يمكن نقلها من مكانها إلى مكان آخر دون تلف, وهي تعتبر عقارا بطبيعته سواء غرسها مالك الأرض أم غرسها شخص آخر غيره.

الفرع الثاني : خصائص العقار ([4])

للعقار ميزات وخصائص تميزه عن غيره من الأشياء وتميزه بصفة خاصة عن المنقول فتجعل الأحكام التي تسري على العقار تختلف عن تلك التي تسري على المنقول وأهمها:

أولا : تترتب على العقار حقوق كحق الإرتفاق وحق الرهن الرسمي وحق التخصيص…إلخ التي لا تترتب على المنقول.

ثانيا : الحقوق العينية الواردة على عقار تعتبر أموالا عقارية كذلك الدعاوي العقارية بينما الحقوق التي ترد على منقول تعتبر أموالا منقولة.

ثالثا : يمكن تنظيم إجراءات التسجيل والقيد بالنسبة إلى العقار لأن له مقرا ثابتا, ولا يمكن ذلك بالنسبة إلى المنقول فليس له مقر ثابت, ومن ثم تسري قواعد التسجيل والقيد على العقار, أما المنقول فتسري عليه قواعد الحيازة لأنه لا يحتويه مكان ثابت ولا ينضبط التعامل في شأنه إلا بالحيازة, على أن هناك منقولات بلغت من الضخامة والأهمية ما يمكن معه تحديد مكان ثابت لها حتى إذا انتقلت, كالسفن والمراكب النهرية والطائرات والسيارات والمتاجر, فهذه تخضع لنوع من الشهر يضاهي التسجيل والقيد في العقارات, إذ أن لها من ميزة التعيين الذاتي ما للعقار.

رابعا : يجوز تملك العقار بالشفعة, بينما لا شفعة في المنقول, كما يجوز تملك المنقول بمجرد الحيازة, بينما لا يجوز تملك العقار بمجرد الحيازة إلا إذا استمرت الحيازة 10 سنوات بشروط معينة بحسن نية أو 15 سنة بسوء نية, كما أن هناك بعض العقارات يحرم القانون تملكها لإعتبارات معينة.([5])

خامسا : في السابق كانت الأعمال التجارية تقتصر على المنقولات فقط أما الأعمال المتعلقة بالعقارات فإنها لا تعتبر أعمالا تجارية ويبرر ذلك أن الأعمال التجارية تقتضي سرعة تداول المال وتبسيط الإجراءات, وهذا ما تستجيب له طبيعة المنقول إذ الحركة من خصائصه, وما تستعصي عليه طبيعة العقار الثابت المستقر, ولكن هذا التبرير أخذ في الوقت الحاضر يفقد كثيرا من وزنه, وهناك ميل واضح في الفقه التجاري إلى إدخال أعمال تتعلق بالعقار ضمن الأعمال التجارية, وهذا ما أخذ له المشرع الجزائري في المادة 2 من القانون التجاري من الأمر 96/27 والمادة 04 من المرسوم التشريعي 93/03 الصادر في 01/03/1993 المتعلق بالنشاط العقاري.

سادسا : في قانون الإجراءات المدنية, الإختصاص المحلي يكون للمحكمة الذي يوجد العقار بدائرتها كما أن إجراءات الحجز على العقار تختلف عن إجراءات الحجز على المنقول([6]) والسبب في ذلك أن العقار له مقرا ثابتا يتميز معه تحديد المحكمة المختصة على هذا الوجه, أما المنقول فليس له مقر ثابت فيتعذر أن تكون المحكمة المختصة في شأنه المحكمة التي توجد في دائرتها المنقول, ولم يبق إلا أن تكون المحكمة التي يوجد في دائرتها موطن المدعى عليه.

سابعا : في القانون الدولي الخاص, القانون الواجب التطبيق بالنسبة إلى العقار واحد لا يتغير, إذ هو قانون موقعه (Lex reisitae) وموقع العقار ثابت في مكان واحد, أما بالنسبة إلى المنقول فإن القانون الواجب التطبيق يتغير بتغير الجهة التي يوجد فيها المنقول.

ثامنا : إذا كان الحائز حسن النية ولديه سبب صحيح, فإنه يمتلك المنقول بمجرد الحيازة, ولا يتملك العقار إلا بحيازة تدوم 10 سنوات بحسن نية وهذا طبق النص 828 من القانون المدني الجزائري.

تاسعا : دعوى تكملة الثمن إلى ثمن المثل بسبب الغبن في بيع العقار لا تكون إلا في بيع العقار, أما إذا كان المبيع منقولا فلا يعتد بالغبن حتى لو كان فاحشا إلا إذا صاحبه الإستغلال.

الفرع الثالث : تمييز العقار عن غيره من الأموال الأخرى.

تقوم التفرقة بين العقارات والمنقولات أصلا على أساس طبيعي هو ” ثبات الشيء أو عدم ثباته “, فالأشياء الثابتة عقارات والأشياء القابلة للحركة منقولات وهذا ما جاءت به المادة 683 الفقرة الأولى من القانون المدني الجزائري.

غير أن الفقرة الثانية من المادة المذكورة أعلاه أوردت استثناء على هذه القاعدة فالشيء يعتبر عقارا بحسب طبيعته أي على أساس كونه ثابتا لا يمكن نقله دون تلف وهو ما يطلق عليه ” العقار بالطبيعة “.

أما الإستثناء فهو أن الشيء يعتبر عقارا بحسب تخصيصه إذا كان منقولا بطبيعته يتخصص بخدمة العقار أو استغلاله([7]) فهذه منقولات أصلا واعتبرها المشرع عقارات حكما.

وسنتطرق الآن بشيء من التفصيل إلى التمييز بين العقارات والعقارات بالطبيعة ومع غيرها من العقارات بالتخصيص دون التطرق إلى التمييز بين العقارات والمنقولات لأن هذه الأخيرة لا تدخل في إطار دراستنا.

أولا : العقار بطبيعته ” Immeubles par leur nature ” :

حسب نص الفقرة الأولى من المادة 683 من القانون المدني الجزائري يكون كل شيء ثابت في مكانه ومستقرا فيه, ويشغل حيزا معينا لا يتغير فهو عقار بطبيعته. وانطلاقا من هذا المفهوم نجد أن العقارات بطبيعتها تشمل كل من الأراضي والأبنية, الأشجار والنباتات.

وبذلك كانت العقارات بطبيعتها هي العقارات ذات المستقر الدائم كالأراضي والدور, والأشجار المتأصلة في الأرض والتي لم تنفصل عنها.

ومن فحوى الفقرة الأولى من المادة 683 من القانون المدني الجزائري و كذلك الفقرة الأولى من المادة الثانية من قانون الملكية اللبناني يرى أن شرط الثبات والإستقرار في الأرض بصورة لا يمكن نزعها دون تلف يصيبها هو الذي يضفي على الأشياء طبيعة العقارات بطبيعتها([8]).

وانطلاقا من هذا المفهوم نقول بأن العقارات بطبيعتها تشمل على ما يلي :

الأراضـي :

فللأراضي خاصية الإستقرار والثبات في مكانها ومدلول الأرض يشمل الأراضي الزراعية والمعدة للزراعة أو البناء والأرض الصحراوية أو الجبلية ويشمل أيضا ما يقام عليها من أبنية وعمارات ما دامت مستقرة بحيزها وثابتة فيه أو كالأنفاق العلوية والطرقات والممرات المعلقة بل ويشمل ما تحت الأرض كالأنفاق السفلية والآبار والسدود ويدخل في نفس المفهوم ما يتصل بالأرض سواء فوق سطحها كتلال الرمال أو في باطنها كالمناجم البترولية أو المعدنية أو الغازية.

فكل هذه الأراضي وما يتصل بها وله صفة الإستقرار كلها عقارات بطبيعتها ويستوي أن تكون تلك العقارات مملوكة للدولة ملكية خاصة أو عامة

أو تكون مملوكة للأفراد.

الأبنيـة :

كل بناء أو تشييد على الأرض ما دام مثبتا فيها يعتبر عقارا بطبيعته أيا كانت طريقة تثبيته في الأرض وأيا كان مالكه ما دام التعامل فيه بنية الإبقاء على الإستقرار, مع ملاحظة أن البناء إذا كان آيلا إلى السقوط أو كان هناك تعاملا فيه بنية هدمه أو بيعه باعتباره أنقاضا لبناء قديم, ففي هذه الحالات يعتبر البناء في حكم المنقول بحسب المآل لأن النية في التعامل تكون متجهة إلى نقله من حيزه وعدم إستقراره في مكانه.

وتعتبر عقارات بطبيعتها, المباني المثبتة في الأرض التي تقام أثناء المعارض على أن تزول بعد انتهائها لأن لا تأثير بأن تكون هذه الأبنية مؤقتة فليس تأبيد بقاء الأشياء شرط لإعتبارها من العقارات([9])

وعليه فإن أنقاض البناء المهدوم تعتبر من المنقولات من وقت الهدم, وقد نصت المادة 532 من القانون المدني الفرنسي صراحة على ذلك ولا فرق في الأراضي أن تكون في المدن أو في الأرياف لإضفاء صفة العقارات بطبيعتها عليها.

والأبنية لا تشمل المباني بمعناها الأصلي مثل البيوت, والمخازن والمعامل… إلخ, بل تشمل أيضا الإنشاءات الفنية بأنواعها مثل الخزانات والآبار والجسور والأنفاق([10]).

الأشجار والنباتات :

المتصلة بالأرض إتصالا ثابتا ومستقرة بمكانها بواسطة جذورها المتعمقة في التربة الأرضية تأخذ حكم العقار بطبيعته أيا كان نوعها وقيمتها.

مع الملاحظ أن الشجيرات الصغيرة والزهور والورود الموضوعة في أصص من الفخار أو في أوعية من أية مادة أخرى بحيث يمكن نقلها في تلك الأوعية من مكان لآخر فهذه تأخذ حكم المنقول لأن جذورها ليست ممتدة داخل عمق الأرض وبالتالي ليست لها صفة الإستقرار.

كما تأخذ حكم المنقولات بحسب المآل كل شجرة أو نبات متصل بالأرض وكل ثمار الأشجار أو النباتات إذ وقع التصرف أو التعامل فيها سنة إقتلاعها من الأرض أو نقلها من مكانها.

ومتى قطعت النباتات أو الثمار فإنها تعتبر من المنقولات فقد إشترطت الفقرة الأولى من المادة 683 من القانون المدني الجزائري وكذلك ما جاء في الفقرة الثانية من قانون الملكيةاللبناني في إعتبار النباتات عقارا بطبيعته أن تكون متأصلة في الأرض وأن تبقى ثابتة فيها, فلو قطعت النباتات وبقيت بعد قطعها في موضعها الذي فصلت منه تعتبر منقولا.

ولا عبرة للقطع أو الفصل إن كان قد حصل بفعل العواصف أو بسبب إكتمال نضجها.

والنباتات طالما هي متأصلة بالأرض فهي تبقى عقارا بحكم الإتصال والثبات, وتزول صفتها العقارية بزوال الإتصال بانفصال هذه النباتات عن الأرض فتعتبر منقولات وتتمتع بذاتية خاصة بها, وتدرج في عداد المنقولات بحكم إنفصالها عن العقار واستقلالها بذاتها([11]).

ثانيا : العقار بالتخصيص :

بعد أن تعرضت الفقرة الأولى من المادة 683 من القانون المدني الجزائري للعقار بطبيعته, أضافت الفقرة الثانية من ذات المادة .

فإذا كان العقار بالطبيعة هو كل شيء ثابت في مكانه لا يمكن نقله دون تلف, فإن العقار بالتخصيص من حيث طبيعته المادية يمكن نقله من مكان إلى آخر ولكن القانون – خروجا على طبائع الأمور – يعتبر تلك المنقولات من العقارات إذ رصدت لخدمة عقار أو استغلاله.

ولكن ما هي الغاية من وجود هذا النوع من العقارات؟ الواقع أن المشرع يهدف من إيجاد العقارات بالتخصيص إلى المحافظة على الوحدة الإقتصادية التي نشأت بين العقار والمنقول, فتخصيص المنقول لخدمة العقار يترتب عليه حسن إستغلال هذا العقار والمحافظة على قيمته.

وبالتالي فكل ما من شأنه المساس بتلك الوحدة بينهما يترتب عليه المساس بقيمة العقار نفسه وبالتالي بمصلحة مالك العقار. فلقد تأثر المشرع بدور العقار وأهميته في إقتصاديات البلد ودخلها القومي, فحرص على المحافظة على قيمة العقار, وذلك بإخضاع المنقولات التي تخصص لخدمته لنفس النظام القانوني للعقارات.

وعلى أية حال فإن نظام العقارات بالتخصيص يهدف على المستوى العام المحافظة على قيمة العقارات, بإلحاق المنقول الذي يسهل حسن إستخدام العقار فالعقار من شأنه أن يرفع من قيمته, ويؤدي بالتالي إلى تحقيق مصلحة المالك الشخصية من حيث استغلال العقار واستفادته من النتائج التي تترتب على إعتبار تلك المنقولات عقارات بالتخصيص, كما يهدف هذا النظام إلى حماية دائني مالك العقار اللذين لهم حق الضمان العام على أموال مدينهم, فضلا عن تحقيقه لمصلحة الدائن ذو الضمان الخاص على عقار مدينه, فمثلا إذا جرى حجز على عقار يشتمل على أدوات زراعية – ولم تكن هناك نظرية العقار بالتخصيص- لوجب إجراء حجزين, حجز أول وهو التنفيذ على العقار, وحجز ثان وهو الحجز على المنقول أي على الأدوات الزراعية, ولكل نوع من هذه الحجوز شروط وأحكام متباينة, وتوقيع مثل تلك الحجوز المختلفة سيؤدي بلا شك إلى فصل الأدوات الزراعية عن العقار وإلحاق الضرر في النهاية بضمان الدائن, أما نظام العقارات بالتخصيص فيحول دون تحقق مثل هذه النتيجة, حيث تعامل الملحقات والتوابع المنقولة معاملة العقار من كافة الأوجه.

1- شروط اعتبار المنقول بطبيعته عقارا بالتخصيص :

أ- وجود منقول بطبيعته وعقار بطبيعته :

فيجب أولا أن نكون بصدد منقولا بطبيعته, أي منقولا ماديا, ذلك أن نظام العقارات بالتخصيص لاينطبق على المنقولات المعنوية أي الحقوق المنقولة فالمنقول الذي يمكن أن يكتسب صفة العقار بالتخصيص هو المنقول الذي يضعه صاحبه في عقار يملكه ولا يتصور وضع منقول في عقار إلا إذا كان هذا المنقول منقولا ماديا.

ويجب ثانيا أن نكون بصدد عقار بطبيعته يوضع فيه المنقول بطبيعته ولذلك إذا تصورنا وجود شخص له حق عقاري معنوي على شيء مثل حق إنتفاع فإن المنقول الذي يضعه صاحب حق الإنتفاع في الارض لا يمكن أن يكتسب صفة العقار بالتخصيص لإنتفاء وجود العقار بطبيعته.

ولا يهم بعد ذلك نوع العقار بطبيعته أو المنقول بطبيعته, فسواء كان المنقول حيوانا أم حجرا أو كان العقار مبنى أو أرضا أو نباتا فإن الشرط الأول يعد متوفرا([12]).

ب- أن يكون مالك العقار والمنقول شخصا واحدا :

وهذه العبارة واضحة المعنى في المادة 683 من القانون المدني الجزائري وبمفهوم المخالفة يفسر هذا النص أن مستأجر الأرض الزراعية إذا وضع آلات لخدمة الأرض وزراعتها أو وضع فيها مواشيا لنفس الغرض لا تعتبر هذه المنقولات عقارات بالتخصيص لأنه ليس مالك الرقبة في الأرض.

والحكمة من هذا الشرط هو مراعاة الهدف الذي ترمي إليه نظرية العقار بالتخصيص, حيث تهدف هذه النظرية على المحافظة على الوحدة الإقتصادية التي أنشأها المالك بين العقار والمنقول.

فالمشرع لم يجعل المنقول تابعا للعقار إلا ليمنع فصل المنقول عن العقار الذي يرصد لخدمته, بغير إرادة مالك العقار, فيشمل بيع العقار أو رهنه او الحجز عليه, المنقولات التي خصصت لخدمته أو استغلاله أي العقارات بالتخصيص.

وهذا الهدف لا يمكن أن يتحقق إذا كان العقار والمنقول مملوكين لشخصين مختلفين, ذلك أن الفصل بينهما متصور في أية لحظة, وبالتالي فإن الوحدة الإقتصادية لا يمكن أن تتصف بالثبات والإستقرار المستوجب توحيد مصير كل منهما ما لم يتوافر وحدة المالك.

يجب إذن أن يكون مالك العقار والمنقول واحدا, وهنا يبدو الفارق بين المنقول الذي يصبح عقارا بالتخصيص, والمنقول الذي يصبح عقارا بالطبيعة نتيجة تثبيته في الأرض بحيث لا يمكن نقله منها دون تلف كالأحجار والأخشاب التي يقام منها المبنى والأشجار التي تغرس في الأرض.

فالمنقولات التي تصبح عقارا بالتخصيص يجب أن يكون واضعها في العقار هو مالك العقار ذاته, أما المنقولات التي تثبت في العقار فتتحول إلى عقار بطبيعته فلا يشترط فيها وحدة المالك, حيث يمكن أن يكون واضعها شخص آخر غير مالك العقار.

جـ- أن يرصد المالك المنقول لخدمة العقار أو استغلاله :

هذا الشرط مستفاد من العبارة الثانية في الفقرة الثانية من المادة 683 من القانون المدني الجزائري, وتعني هذه العبارة ان يكون المنقول قد جعله صاحبه خصيصا لخدمة العقار أو لفائدته وتسهيل الإنتفاع به أو إنتشاره بصفة دائمة وقطعية مثال ذلك : أن يضع مالك الأرض آلة للري أو بعض المواشي في كل هذه العقارات بالتخصيص([13]).

وفكرة العقار بالتخصيص هي فكرة قد أتت بالقانون عن طريق الإفتراض أو الحيلة القانونية توصلا إلى شمول أحكام العقار على المنقولات التي أعدت لخدمته أو استغلاله لتأمين الإستمرار بخدمته أو باستغلاله, ومنعا لما يترتب على بقاء طبيعتها المنقولة من أحكام وفصلها عن العقار المخصصة لخدمته (منفعته ) أو إستغلاله, وهذا يعرقل أو يعطل منفعة العقار أو إستغلاله([14]).

إن التخصيص يفترض وجود منقول بطبيعة, أما إذا رصد منقول لخدمة عقار بالتخصيص أو منقول بحسب المآل فلا يعتبر عقارا بالتخصيص, فأدوات السيارة المخصصة لإصلاحها لا تعتبر عقار بالتخصيص لأنها منقول رصد لخدمة منقول آخر والزيوت المخصصة لتشحيم آلات المصنع لا تعتبر عقارا بالتخصيص لأنها منقول رصد لخدمة عقارا بالتخصيص, وكذلك الحال إذا رصد فأس أو منشار لاستخلاص منقولات منزل بيع بقصد هدمه فإنه لا يعتبر عقارا بالتخصيص لأنه منقول رصد لخدمة منقول بحسب المآل.

ويتم تخصيص المنقول لخدمة العقار أو استغلاله بواسطة المالك شخصيا أو نائبه أو وكيله أو الوصي أو القيم عليه أو الحارس القضائي على أمواله أو بواسطة الحائز للعقار بنية التملك, فيجب أن يرصد المنقول لخدمة العقار لا خدمة مالك العقار حتى يعتبر عقارا بالتخصيص.

ويجب أن لا يكون التخصيص عرضيا أي المدة قصيرة إنما بشرط أن يكون التخصيص دائما.

وينتهي التخصص إذا انقطع رصد المنقول عن خدمة العقار أو استغلاله وذلك ببيعه مثلا لأن المنقول لا ينفصل عن العقار الذي رصد لخدمته أو استغلاله لأنه ملحقا في الأحكام القانونية بالعقار الموضوع فيه, وكذلك إذا رهن العقار الأصلي شمل الرهن العقار بالتخصيص, وكذلك فيما يخص الحجز على العقار الأصلي فتتبع إجراءات الحجز على العقار لإجراءات الحجز على المنقول بالنسبة للعقار بالتخصيص.

وما يلاحظ في أن شرط ملكية العقار والمنقول لشخص واحد يستوي فيه أن تكون الملكية تامة أو ملكية للرقبة أو ملكية على الشيوع أو ملكية معلقة على شرط فاسخ([15])

2- الفرق بين العقار بالتخصيص والعقار بالطبيعة :

أ- إن المنقول الذي يرصد لخدمة العقار واستغلاله, فيصبح عقارا بالتخصيص لا يفقد ذاتيته بل يظل محتفظا بها, وذلك على خلاف المنقول الذي يندمج في العقار فيصبح جزءا منه وعقارا بطبيعته حيث يفقد الإندماج ذاتيته,وبناء على ذلك فإن الحقوق التي كانت للغير على المنقول الذي أصبح عقارا بطبيعته تسقط لفقدان هذا المنقول لذاتيته, وعلى ذلك إذا بنى شخص بأدوات مملوكة للغير واستحال نزعها من البناء لم يكن له الحق في إستردادها, ويتملكها صاحب الأرض مع دفع قيمتها والتعويض إن كان له مقتضى , وأيضا إذا اشترى شخص منقولا لم يدفع ثمنه ثم جعله عقارا بطبيعته بأن أدمجه مثلا في بناء, فإن بائع المنقول يفقد حقه في الإمتياز.

ولكن بالنسبة للعقارات بالتخصيص, فهي تظل محتفظة بذاتيتها، ولذلك فحقوق الغير عليهـا تظل قائمة، وعلى ذلك فإن بائع المنقول الذي لم يستوف ثمنه يظل محتفظا بإمتيازه عليه, رغم رصده على العقار واكتسابه وصف العقار بالتخصيص.

ب– رأينا أن المنقول لا يكتسب وصف العقار بالتخصيص إلا حين ينظر إليه كتابع للعقار وكأحد ملحقاته, ولكن إذا نظر إليه منفصلا عن العقار, فهو منقول, وعلى ذلك فللمالك أن يتصرف في العقار بالتخصيص, وعندئذ يكون تصرفه واردا على منقول.

وعلى ذلك إذا شمل الرهن العقارات بالتخصيص, ثم قام الراهن بفصلها وبيعها إلى المشتري, فإذا كان المشتري حسن النية فإنه يملك العقار بالتخصيص الذي أصبح منقولا طبقا لقاعدة الحيازة, على أنه يجوز للدائن المرتهن الحجز على ثمن هذا المنقول تحت يد المشتري إذا لم يكن هذا الأخير قد وفاه بعد, ويتقدم الدائن بحقه على هذا الثمن, أما إذا تم بيع العقار بالتخصيص ولم يتم تسليمه إلى المشتري فإنه يظل مرهونا مع العقار حتى ولو كان المشتري حسن النية ويمكن للدائن أن يعارض في تسليم العقار بالتخصيص لهذا المشتري.

أما العقار بطبيعته فهو لا يكتسب صفته إستقلالا بحكم طبيعة الأشياء ولذلك فإن التصرف فيه لا يمكن إلا أن يكون تصرفا في عقار, فالبناء يعتبر عقارا دائما سواء وقع التصرف فيه مع الأرض أو مستقلا.

جـ- أن المنقول لا يكون له وصف العقار بالتخصيص إلا إذا تم وضعه في العقار بواسطة المالك نفسه وبشرط إتحاد مالك المنقول والعقار, أما المنقول الذي يندمج في عقار فيصير عقارا بالطبيعة, فهو يكتسب هذا الوصف – العقار بالطبيعة – سواء تم الإندماج بواسطة مالك العقار ذاته أو شخص آخر كالمستأجر أو المنتفع أو الحائز وسواء كان المنقول مملوكا لصاحب العقار أو مملوكا لغيره.

د- إن جريمة السرقة وهي إختلاس منقول مملوك للغير من المتصور ورودها على العقارات بالتخصيص دون العقارات بالطبيعة([16])

الفرع الرابع : أنواع العقارات وأهميتها .

أولا : أنواع العقارات :

من المسلم به في فقه القانون أن تعتبر بعض الأشياء عقارات رغم أنها تنتقل من مكان لآخر دون تلف كثمار الأشجار والنباتات وأبواب المباني, لذا فإن تعريف القانون المدني للعقار بأنه : ” كل شيء ثابت في حيزه لا يمكن نقله منه دون تلف ” يكون محل نظر لأنه غير جامع لكل أنواع العقار.

ويعرف فقه المالكية في الشريعة الإسلامية العقار بأنه ماله أصل ثابت بحيث لا يمكن نقله وتحويله من مكان إلى آخر مع بقاء هيئته وشكله([17]) .

فإذا قارنا بين تعريف القانون المدني للعقار وتعريف المالكية له لوجدنا أن كلا التعريفين يتفقان في أن العقار ثابت في حيزه, غير أن نقل العقار في نظر القانون يصبه بتلف, بينما نقل العقار عند المالكية يستوجب تغيير هيئته وشكله سواء أصابه تلف أم لم يصبه تلف.

وتعريف العقار في فقه المالكية أدق من تعريفه في القانون المدني لأن ثمار الأشجار المتصلة بها مثلا تعتبر عقارات طالما كانت الأشجار مغروسة في الأرض وهي إذا نقلت من مكانها لا يصيبها تلف وإنما تتغير هيئتها أو يتغير شكلها وبالتالي لا يصدق عليها تعريف العقار في القانون رغم أن المسلم به في القانون أنها عقارات بطبيعتها على أن هناك من الأشياء ما يمكن نقله من مكان لآخر دون تلف ودون أن تتغير هيئته أو يتغير شكله كالأبواب والشبابيك وتعتبر مع ذلك عقارا ولا شك أنه يمكن نقل الأبواب والشبابيك من مكانها إلى مكان آخر دون تلف لأنها مثبتة في مكانها بمفاصل يمكن رفعها منها بسهولة كما أن هذا النقل لن يغير من هيئتها أو شكلها غالبا الأمر الذي يقتضي منها البحث عن تعريف أدق وحتى نصل إلى تعريف دقيق للعقار نقترح أن نقسم العقار إلى: عقار حقيقي وعقار حكمي.

1- العقار الحقيقي : وهو كل شيء لا يمكن نقله وتحويله من مكان لآخر فينصب معنى العقار الحقيقي على الأرض فحسب كما هي نظرة جمهور فقهاء الشريعة الإسلامية (غير المالكية) كما أشرنا.

2- العقار الحكمي : وهو كل ما اتصل بعقار حقيقي إتصال ثبات وقرار أي كل ما اتصل بالأرض اتصال ثبات وقرار فيشمل الأشجار وسائر النباتات المغروسة في الأرض وثمارها, كما يشمل المباني وأجزائها المتصلة بها كالأبواب والشبابيك لأن هذه الأجزاء تتصل كذلك بالأرض عن طريق المباني إتصال ثبات وقرار.

وإذا أخذنا بفكرة تقسيم العقار إلى حقيقي وحكمي وأضفنا لها فكرة العقار بالتخصيص لوجدنا أن هناك ثلاثة مصطلحات تحمل لفظ العقار وهي العقار الحقيقي و الحكمي والعقار بالتخصيص وعلى هذا الأساس نجد أن العقار في حقيقته هو ما لا يمكن نقله وتحويله من مكان إلى آخر وهو الأرض مطلقا سواء كانت أرض فضاء أو كانت أرضا معدة للزراعة أو البناء.

والعقار الحكمي: هو كل ما اتصل بالأرض إتصال ثبات وقرار كالمباني والأشجار والنباتات المغروسة في الأرض.

والعقار بالتخصيص: هو كل منقول بصفة صاحبه في عقار يملكه رصدا على خدمة هذا العقار أو استغلاله مع ملاحظة انه يمكن الإستغناء عن فكرة العقار بالتخصيص, لأن فكرة العقار بالتخصيص إنما قيل بها لكي يلحق المنقول المخصص لخدمة العقار([18]) أو إستغلاله بهذا العقار ذاته , فتسري عليه أحكام القانون التي تسري على هذا العقار.

والواقع أنه يمكن الإستغناء عن فكرة العقار بالتخصيص بفكرة أخرى هي أن نعتبر المنقول الذي رصد لخدمة العقار واستغلاله (تابعا) لهذا العقار طالما كان مالك العقار و مقتضى فكرة التبعية هذه أن تسري على المنقول المخصص لخدمة العقار أو إستغلاله للأحكام القانونية التي تسري على هذا العقار وباعتبار هذا المنقول منقولا بطبيعته لا عقارا بالتخصيص.

فبيع العقار الأصلي ورهنه والحجز عليه سيشمل هذا المنقول التابع له, بل وستفضل فكرة التبعية فكرة العقار بالتخصيص, لأنه إذا بيع العقار الأصلي وشمل البيع المنقول التابع له فلو يستحق رسوم تسجيل العقد إلا على العقار الأصلي بينما إذا اعتبر هذا المنقول التابع للعقار عقارا بالتخصيص فإن رسوم التسجيل ستشمله لأنه سيعامل معاملة العقار.

ثانيا : أهمية العقارات :

تختلف الأحكام التي تسري على العقار عن تلك التي تسري على المنقول مما يجعل تقسيم الأشياء إلى عقارات ومنقولات أهمية بالغة عمليا نوردها فيما يلي:

1- في القانون المدني : والمتمثلة في دعاوي إعادة اليد « Action en possession » وهي :

أ- دعوى منع التعرض couplainte وهذا تطبيقا لنص المادة 820 من القانون المدني الجزائري.

ب- دعوى إعادة اليد Réintégrande المادتان 817 , 818 من القانون المدني الجزائري.

ج- دعوى وقف الأعمال الجديدة Dénonciation de nouvelle œuvre “تطبيقا للمادة 821 من القانون المدني الجزائري .

خاصة بالعقارات دون المنقولات([19])

تعليق واحد

  1. لماذا لم تذكر المصادر في هذا المقال
    لكن مقال رائع ومفيد للباحث
    شكرا لكم واهتمامكم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *