لواء دكتور / أحمد جاد منصور
عضو هيئة التدريس بأكاديمية الشرطة
يقتضى الحديث عن حماية حقوق الإنسان على المستوى الدولى أن نتطرق إلى منظمة الأمم المتحدة والدور الذى قامت به منذ إنشائها عام 1945 فى مجال تعزيز وترسيخ مفاهيم حقوق الإنسان والجهود التى بذلتها والآليات التى أنشأتها فى سبيل تحقيق حماية فعالة لحقوق الإنسان .
والجدير بالذكر أن الهدف الأساسى لإنشاء المنظمة لم يكن هو حماية حقوق الإنسان ، وإنما إستهدفت فى المقام الأول حل المنازعات الدولية بالطرق السلمية … ولكن تظل حماية حقوق الإنسان من بين الأهداف والمقاصد الرئيسية للمنظمة طبقاً لما ورد بميثاق إنشائها .
ولقد جاء ميثاق الأمم المتحدة (The UN Charter) مؤكداً الدعوة إلى تدعيم إحترام حقوق الإنسان ، فقد ورد فى ديباجة الميثاق ” أن شعوب الأمم المتحدة تؤكد إيمانها بالحقوق الأساسية للإنسان ، وبكرامة الفرد وقدره، وبما للرجال والنساء من حقوق متساوية ” .
كما نصت المادة (1/3) من الميثاق على أن من مقاصد الأمم المتحدة ” تعزيز احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للناس جميعاً، والتشجيع على ذلك إطلاقاً بلا تمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين ، وبلا تفريق بين الرجال والنساء ” .
ومع هذا فقد خلا ميثاق الأمم المتحدة من أى تعريف لمضمون حقوق الإنسان وحرياته الأساسية ، حيث فشلت الجهود التى كانت بعض الدول (شيلى – كوبا – بنما) قد بذلتها أثناء عملية صياغة الميثاق ، والتى كانت تهدف إلى تضمينه قائمة بهذه الحقوق وتلك الحريات أو النص فيه على الآليات اللازمة لتطبيقها .
ويرى البعض أن المواد الواردة فى ميثاق الأمم المتحدة تشكل فى جملتها أساساً قانونياً تلتزم بموجبه الدول الأطراف باحترام حقوق الإنسان ، ولكن هذا الرأى يجد معارضة من جانب آخر من الفقه الذى يرى أن الميثاق لم يحدد حقوق الإنسان محل الحماية ، كما وأنه لم ينظم سبل هذه الحماية ، فضلاً عن تعارض ذلك مع المادة (2/7) من الميثاق التى تحظر تدخل منظمة الأمم المتحدة فى المسائل التى تعد من صميم الإختصاص الداخلى لأية دولة ، وأن حقوق الإنسان تعد من صميم الإختصاص الداخلى التى تتناولها الدساتير وأنظمة الحكم فى مختلف الدول ، وبالتالى فمن الصعب التسليم بأن تلك النصوص الواردة بالميثاق تمثل إلتزاماً قانونياً على عاتق الدول الأعضاء بالمعنى الصحيح .
ويؤكد الواقع العملى أن تدويل حقوق الإنسان يعد من أبرز الاتجاهات التى حققت تقدماً ملموساً ، وذلك عن طريق حماية تلك الحقوق من خلال الإشراف الدولى لضمان إحترام وحماية حقوق الإنسان فى مواجهة أية دولة ، ولقد ساهم فى تحقيق ذلك أن الإنسان أصبح أحد أشخاص القانون الدولى مثله فى ذلك مثل الدول والمنظمات الدولية .
ولا جدال فى أن موضوع حقوق الإنسان أصبح يحظى باهتمام بالغ ، ويشكل ثورة كامنة لها تأثير غير محدود فى بنية وتشكيل وعمل الأنظمة الحديثة للإدارة الدولية ، وأسلوب التفكير والتعامل مع المنظمات، وعلى العلاقات السياسية والإقتصادية والإجتماعية بين الدول التى تتشكل منها الجماعة الدولية .
وتتناول جميع الأجهزة الرئيسية بالأمم المتحدة مسائل حقوق الإنسان بطريقة أو بأخرى ، ومن تلك الأجهزة الجمعية العامة ، ومجلس الأمن ، ومجلس الوصاية ، ومحكمة العدل الدولية، والمجلس الإقتصادى
والإجتماعى .
فالجمعية العامة منوطة – طبقاً للميثاق – بمسئولية إجراء الدراسات وتقديم التوصيات فيما يتصل بالمساعدة فى إقرار حقوق الإنسان والحريات الأساسية بالنسبة للجميع ، ومنذ صدور الإعلان العالمى لحقوق الإنسان عام 1948 ، إعتمدت الجمعية العامة ما يقرب من (60) إعلاناً واتفاقية تتعلق بحقوق الإنسان .
ويضطلع المجلس الإقتصادى والإجتماعى بدور له أهميته ، فمن حق هذا المجلس ، شأنه فى ذلك شأن الجمعية العامة ، أن يقدم توصيات فى مجال مراعاة حقوق الإنسان ، كما أنه منوط به وضع اتفاقيات تتصل بالمسائل الواقعة فى دائرة إختصاصه .
ولقد بذلك منظمة الأمم المتحدة – بأجهزتها المختلفة – جهوداً كبيرة فى سبيل تحقيق حماية فعالة لحقوق الإنسان … وترجمة النصوص التى وردت فى ميثاقها إلى آليات يتم عن طريقها تحقيق حماية فعلية على أرض الواقع .
وسنقوم بإلقاء الضوء على أهم تلك الآليات والتى تتمثل فى لجنة حقوق الإنسان والإعلان العالمى لحقوق الإنسان وكل من العهد الدولى للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعهد الدولى للحقوق المدنية والسياسية .
وذلك وفقاً لما يلى :
أولاً : المجلس الدولى لحقوق الإنسان .
ثانياً : الإعلان العالمى لحقوق الإنسان .
ثالثاً : العهد الدولى للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية .
رابعاً : العهد الدولى للحقوق المدنية والسياسية .
أولاً : المجلس الدولى لحقوق الإنســان
اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 15/3/2006 ، قراراً تاريخياً بإنشاء مجلس جديد لحقوق الإنسان ليحل محل اللجنة الدولية لحقوق الإنسان .
وتجدر الإشارة إلى أنه يوجد بالأمم المتحدة العديد من اللجان التى يتولى كل منها متابعة شق أو مجال بعينه من مجالات حقوق الإنسان ، وتصب كلها فى لجنة حقوق الإنسان ومقرها جنيف التى تتولى مراجعة أعمال جميع اللجان ، كما تنظر فى أوضاع حقوق الإنسان داخل الدول ، ومدى احترام الدول لتلك الحقوق .
ومنذ إنشاء اللجنة عام 1946 ، وجِّه إليها العديد من الانتقادات ، حيث اتهمت بالتسييس والانتقائية وازدواجية المعايير ، ففى الوقت الذى دأبت فيه اللجنة على إدانة أوضاع حقوق الإنسان فى دول مثل إيران والسودان وكوبا ، فإنها لم تستطع اتخاذ قرار بشأن أوضاع محتجزى جوانتانامو .
من ناحية أخرى ، فقد كانت للدول الغربية بدورها مآخذ عديدة على اللجنة ، فى مقدمتها انتخاب أعضائها على أسس جغرافية بحتة ، الأمر الذى أتاح انتخاب دول يوجد لدى العديد من الدول الغربية ملاحظات حول سجل حقوق الإنسان بها ، ومن ناحية أخرى فقد أخفقت الولايات المتحدة ذاتها فى الفوز بعضوية اللجنة فى الانتخابات التى أجريت عام 2001 .
ومما تأخذه الدول الغربية على اللجنة أيضاً ، أن الدول النامية الأعضاء بها غالباً ما تصوت كمجموعة واحدة ، وهو نمط التصويت الذى يفلح أحياناً فى إسقاط بعض قرارات أوضاع حقوق الإنسان فى دول بعينها وتمرير قرارات لا ترضى عنها الدول الغربية مثل الحق فى التنمية ومحاربة ازدراء الأديان .
لكل ما تقدم ، نما الشعور بالحاجة إلى استحداث جهاز جديد يتلافى عيوب الجهاز القائم ، ويعمل بحق كمحفل للحوار والتعاون فى مجال حقوق الإنسان .
وقد كان إنشاء مجلس جديد لحقوق الإنسان فى مقدمة الموضوعات التى جرى بحثها والاتفاق عليها فى قمة الأمم المتحدة فى سبتمبر 2005 ، ولكن تبقى الاتفاق على التفاصيل الفنية ، مثل حجم المجلس وتوزيع عضويته بين المجموعات الجغرافية المختلفة ، وآلية عمله ، وكان من الطبيعى أن تشهد المفاوضات مصالح ومواقف متضاربة ، وقد تعثر الاتفاق لبعض الوقت حتى أمكن التوصل إلى حلول وسط ارتضت بها غالبية الدول حيث وافقت عليه (170) دولة وعارضته أمريكا وإسرائيل .
وتمثلت نقاط الخلاف الرئيسية فى خمس نقاط هى :
• وضع المجلس بين أجهزة الأمم المتحدة : حيث رغبت الدول المتقدمة فى أن يكون جهازاً رئيسياً يحيل توصياته وتقاريره إلى ما شاء من الأجهزة (وربما يكون من بينها مجلس الأمن) ، بينما رغبت الدول النامية فى جعله جهازاً فرعياً تابعاً للجمعية العامة يرفع تقاريره إليها فقط .
• العضوية بالمجلس : فقد رغبت الدول المتقدمة فى تقييد العضوية ووضع معايير يجب توافرها فى الدول التى تتقدم لشغلها ، بينما رغبت الدول النامية فى جعل تلك العضوية مفتوحة لجميع الدول ، بحيث تكون الجمعية العامة الحكم الوحيد فى مدى أهلية الدولة لعضوية المجلس .
• حجم المجلس : رفض عدد من الدول المتقدمة أن يكون المجلس بنفس الحجم الحالى للجنة (53 عضواً) . ورغبت منذ البداية أن تكون العضوية فى حدود 25 – 30 دولة ، يتم انتخابهم بأغلبية الثلثين وهو ما رفضته جميع الدول النامية التى تمسكت بألا يقل حجم المجلس الجديد عن حجم اللجنة الحالية ، وأن يتم انتخاب أعضائه بالأغلبية البسيطة .
• الأغلبية المطلوبة لإصدار المجلس قرارات بإدانة أوضاع حقوق الإنسان فى الدول : حيث تمسكت الدول النامية بأن يتم إصدار هذه القرارات بأغلبية ثلثى أعضاء المجلس ، بينما رغبت الدول الغربية فى إصدارها بالأغلبية البسيطة .
• آلية مراجعة أوضاع حقوق الإنسان فى الدول : تحفظت الدول النامية على تلك الآلية ، وذلك خشية أن تشيع فى المجلس ذات الأجواء من الانتقائية والتسييس التى عانت منها اللجنة .. وبالنسبة لقرار إنشاء المجلس ، فقد تم التوصل إلى صفقة متكافئة تضمنت عدداً من الحلول الوسط تمثلت فيما يلى :
(أ) إنشاء المجلس كجهاز تابع للجمعية العامة ، مع إمكان مراجعة هذا الوضع بعد خمس سنوات .
(ب) جعل العضوية بالمجلس مفتوحة أمام جميع الدول الأعضاء بالأمم المتحدة دون وضع معايير لتلك العضوية ، وإن كان مفهوماً بالطبع أن الدول ستحرص على توافر احترام الإنسان لدى الدولة التى ستمنحها صوتها للفوز بالعضوية بالمجلس كما تم الاتفاق على إمكانية إسقاط العضوية لاحقاً عن الدولة التى يثبت ضلوعها فى انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان .
• تحديد عدد أعضاء المجلس بـ 47 عضواً ينتخبون على أساس جغرافى ، وبالأغلبية المطلقة لأعضاء الأمم المتحدة ، أى 96 صوتاً على الأقل .
• ترك تحديد الأغلبية المطلوبة لإصدار قرارات إدانة أوضاع حقوق الإنسان فى الدول ليقررها المجلس نفسه .
• إخضاع أوضاع حقوق الإنسان فى جميع الدول للمراجعة والنظر من جانب المجلس .
وحتى يمكن أن يكون للمجلس دور فعال فى تعزيز حقوق الإنسان يتعين توافر عدة عناصر مهمة ، هى :
– ضرورة تفادى الانتقائية المتمثلة فى التركيز على أوضاع حقوق الإنسان السياسية أو المدنية ، وإغفال حقوق الإنسان الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والحريات الأساسية ، فحقوق الإنسان كل متكامل لا تجب تجزئتها أو إعطاء بعضها أولوية متقدمة على حساب البعض الآخر .
– البعد عن ازدواجية المعايير ، وتطبيق ذات معايير احترام
حقوق الإنسان على جميع الدول بغض النظر عن طبيعة تحالفاتها أو انتماءاتها .
– تجنب التسييس الذى كان أكبر عيوب لجنة حقوق الإنسان السابقة ، التى دأبت على استهداف دول بعينها بالانتقادات والإدانة لأسباب سياسية معروفة للجميع ، وفى المقابل كثيراً ما غضت الطرف عن أوضاع حقوق الإنسان فى دول بعينها ، ولأسباب سياسية معروفة للجميع أيضاً .
من الناحية السياسية ، فإن هناك سؤالاً يطرح نفسه ، وهو .. هل سيكون المجلس الجديد بمثابة مجلس أمن لحقوق الإنسان ، أى هل ستكون له صلاحية عقاب الدول التى تشهد انتهاك حقوق الإنسان ؟
لاشك أن إنشاء هذا المجلس يعد التطور الأهم فى مجال
حقوق الإنسان منذ إنشاء الأمم المتحدة قبل ستين عاماً ، حيث لم يسبق
أن كان لأى جهاز من أجهزة المنظمة المعنية بحقوق الإنسان هذا القدر الكبير من الصلاحيات ، ولكن يصعب الذهاب إلى حد القول بأن الأمم المتحدة أنشأت مجلس أمن لحقوق الإنسان ، وبالطبع سيكون للمجلس الجديد صلاحية النظر فى أوضاع حقوق الإنسان فى جميع الدول ، وتوجيه انتقادات حادة لها إذا رأى غالبية أعضائه ذلك ، ولكن المجلس لا يندرج ضمن الأجهزة التنفيذية للمنظمة .. وهى الجمعية العامة ومجلس الأمن ، وبصفة عامة فإن الممارسة العملية وحدها هى التى ستثبت إذا كان المجلس الجديد سينجو من مثالب التسييس الذى شاب عمل اللجنة السابقة ، وعندها يمكن الحكم على المجلس إيجاباً أو سلباً .
ثانياً : الإعلان العالمى لحقوق الإنسان
صدر الإعلان العالمى لحقوق الإنسان فى 10 ديسمبر 1948، حيث أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة فى دورتها الثالثة بقرارها رقم
(217) ، والذى وافقت عليه (48) دولة دون إعتراض ، وإمتناع ثمان دول عن التصويت .
ويعد الإعلان العالمى لحقوق الإنسان أول بيان دولى أساسى يتناول حقوق كافة أعضاء الأسرة الإنسانية ، وهى حقوق غير قابلة للتصرف أو الإنتهاك ، وهو يتضمن حقوقاً عديدة مدنية وسياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية ، ويستحقها الناس فى كل مكان .
وقد قُصِّد بهذا الإعلان العالمى أن يكون بياناً للأهداف التى ينبغى على الحكومات أن تسعى إلى تحقيقها ، ولذا فإن الإعلان العالمى لا يعد جزءاً من القانون الدولى الملزم ، ولكن قبول هذا الإعلان من جانب عدد ضخم من الدول قد أضفى عليه وزناً معنوياً كبيراً ، وأصبح مصدر إلهام عند وضع اتفاقيات دولية كثيرة ، وأثر تأثيراً ملموساً على دساتير العديد من البلدان وقوانينها .
أهم حقوق الإنسان التى تضمنها الإعلان :
تعد مقدمة الإعلان العالمى لحقوق الإنسان إنعكاساً لمقدمة ميثاق الأمم المتحدة ، ولالتزام أطرافه بتعزيز وحماية حقوق الإنسان بالتعاون مع الأمم المتحدة ، ويمثل الإعلان مثلاً أعلى مشتركاً يجب أن تبلغه الشعوب والأمم ، ويتألف من ثلاثين مادة ، تغطى المواد من (3) إلى (21) الحقوق المدنية والسياسية ، وتشمل المواد من (22) إلى (27) الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية . وتؤكد المادتان الأولى والثانية من الإعلان العالمى على أن جميع الناس قد ولدوا أحراراً متساويين دونما تمييز فى الكرامة والحقوق ، كما ترسى المادتان المبادئ الأساسية للمساواة وعدم التمييز فى التمتع بحقوق الإنسان والحريات الأساسية .
وتتناول المواد التسع عشرة التالية الحقوق المدنية والسياسية التى ينبغى أن يتمتع بها كل إنسان وتشمل هذه الحقوق الحق فى الحياة والحرية والأمن ، والمساواة ، والإنصاف القضائى وحرية التنقل والإقامة وحرية الفكر ، وحرية الرأى والتعبير وغيرها من الحقوق الأخرى .
وإذا ألقينا الضوء على أهم مواد الإعلان نجد أن المادة الثالثة تنص على حق كل إنسان فى الحرية والأمن وأنه حق أساسى للتمتع بكل الحقوق الأخرى ، وحظرت المادة الرابعة استرقاق أو استعباد أى شخص ، كما حظرت المادة الخامسة تعريض أى إنسان للتعذيب ، وللعقوبات أو المعاملات القاسية أو الوحشية أو الحاطة بالكرامة ، وأن لكل إنسان شخصيته القانونية (المادة السادسة) ، وأكدت المادة السابعة على مساواة الناس جميعاً أمام القانون وحقهم فى التمتع بحماية القانون وأشارت المادة الثامنة إلى حق كل شخص فى اللجوء إلى المحاكم الوطنية المختصة لإنصافه الفعلى من أية أعمال تنتهك الحقوق الأساسية التى يمنحها الدستور أو القانون .
ولقد حظرت المادة التاسعة إعتقال أى إنسان أو حجزه أو نفيه تعسفاً وأكدت المادة العاشرة على حق كل إنسان – على قدم المساواة التامة مع الآخرين – فى أن تنظر قضيته محكمة مستقلة محايدة ، نظراً منصفاً وعلنياً للفصل فى حقوقه والتزاماته وفى أية تهمة جزائية توجه إليه .
وأكدت المادة الحادية عشر على مبدأ أن الأصل فى الإنسان البراءة إلى أن تثبت إدانته قانوناً بمحاكمة علنية تؤمن له فيها الضمانات الضرورية للدفاع ، كما أكدت المادة الثانية عشر على حماية الحياة الخاصة لكل إنسان وحقه فى حماية أسرته ومسكنه ومراسلاته .
وأوضحت المادة الثالثة عشر أن لكل فرد الحق فى حرية التنقل وفى إختيار محل إقامته داخل حدود الدولة ، وأن لكل فرد الحق فى مغادرة أى بلد بما فى ذلك بلده ، وفى العودة إلى بلده فى أى وقت يشاء .
وأكد الإعلان العالمى لحقوق الإنسان على حق كل شخص فى التملك (المادة 17) ، وحريته فى التفكير والضمير والدين (المادة 18)، وحرية الرأى ، والتعبير (المادة 19) .
أما المواد من (22 – 28) فتتناول الحقوق الإقتصادية والإجتماعية والثقافية مثل الحق فى العمل وحق إنشاء النقابات وحق التأمين فى حالة البطالة أو المرض أو العجز ، وحماية الأمومة والطفولة، وحق التعليم وغير ذلك من الحقوق .
ومن ناحية أخرى أكد الإعلان فى المادة التاسعة والعشرين أن على كل فرد واجبات إزاء الجماعة ، وأن الفرد فى ممارسته لحقوقه وحرياته
لا يخضع إلا للقيود التى يقرها القانون والتى تهدف إلى ضمان الإعتراف الواجب بحقوق وحريات الآخرين واحترامها .
أما المادة الختامية فتؤكد على أنه ليس فى الإعلان أى نص يجوز تأويله على نحو يفيد إنطوائه على تخويل أية دولة أو جماعة أو فرد الحق فى القيام بأى نشاط يهدف إلى هدم أى من الحقوق والحريات المنصوص عليها فى الإعلان .
المكانة التى يتبوأها الإعلان العالمى لحقوق الإنسان :
مما لا شك فيه أنه منذ صدور الإعلان العالمى لحقوق الإنسان وهو يشكل مصدراً أساسياً يلهم الجهود الوطنية والدولية من أجل تعزيز وحماية حقوق الإنسان وحرياته الأسـاسية ، ويحدد الإتجاه لكل الأعمال اللاحقة فى
ميدان حقوق الإنسان.
وجدير بالذكر أن الإعلان العالمى لحقوق الإنسان رغم أنه ليس له قيمة قانونية تلزم أى من الدول ، إلا أن قيمته الأدبية ليست محل نقاش لأنه يحظى بتقدير وإحترام المجتمع الدولى الذى يستقى قوانينه الداخلية من النصوص الواردة بالإعلان العالمى لحقوق الإنسان .
ولقد أكدت المحكمة الدستورية العليا فى مصر على القيمة الأدبية التى يحظى بها الإعلان العالمى لحقوق الإنسان ، فنجدها قضت بأن :
” الحق فى المحاكمة المنصفة الذى كفله الدستور المصرى يستمد أصله من الإعلان العالمى لحقوق الإنسان الذى يقرر أن لكل شخص حقاً مكتملاً ومتكافئاً مع غيره فى محاكمة علنية ومنصفة تقوم عليها محكمة مستقلة (م 10) ، وأصل البراءة التى حرص الدستور على إبرازها فى
المادة (67) منه هو تأكيد لما قررته المادة (11) من الإعلان العالمى لحقوق الإنسان ” .
ثالثاً : العهد الدولى للحقوق الإقتصادية والإجتماعية والثقافية
أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة العهد الدولى للحقوق
الإقتصادية والإجتماعية والثقافية فى 16 ديسمبر 1966 ، ودخل حيز النفاذ الفعلى فى عام 1976 ، وقد وقعت عليه مصر فى 4 أغسطس 1967، وبتاريخ أول أكتوبر 1981 أصدر رئيس الجمهورية قراره رقم 537 لسنة 1981 بالموافقة على العهد الدولى مع الأخذ فى الإعتبار أحكام الشريعة الإسلامية وعدم تعارضها معه ، وذلك مع التحفظ لدى التصديق ، وتم التصديق على العهد الدولى ونشره بالجريدة الرسمية ، وتم العمل به إعتباراً من 14 أبريل 1982 .
وتؤكد المادة الأولى من العهـد أن الحق فى تقرير المصير حق عالمى ، وتدعو الدول إلى أن تعمل على تحقيق ذلك الحق وإحترامه ، وأن لجميع الشعوب حق تقرير مصيرها بنفسها ، وأنها حرة فى تقرير مركزها السياسى ، وحرة فى السعى لتحقيق نمائها الإقتصادى والإجتماعى والثقافى .
وتقضى المادة الثالثة بالمساواة بين الرجال والنساء فى حق التمتع بجميع حقوق الإنسان وتطلب من الدول أن تجعل ذلك المبدأ أمراً واقعاً ، وتوفر المادة الخامسة ضمانات ضد إهدار أى من حقوق الإنسان أو الحريات الأساسية أو فرض قيود عليها ، كما تمنع الدول من تقييد الحقوق المتمتع بها داخل أراضيها بذريعة أن العهد لا يعترف بها .
وتعترف المواد من (6) إلى (15) بالحقوق الإقتصادية والإجتماعية والثقافية ، فنجده ينص على الحق فى العمل (المادة 6) ، وفى التمتع بشروط عادلة ومرضية (المادة 7) ، وفى تكوين النقابات والإنضمام إليها (المادة Cool، وفى الضمان الإجتماعى بما فى ذلك التأمينات الإجتماعية (المادة 9) ، وفى توفير أكبر قدر ممكن من الحماية والمساعدة للأسرة والأمهات والأطفال والمراهقين (المادة 11) وفى التمتع بأعلى مستوى من الصحة الجسمية والعقلية (المادة 12) ، والحق فى التعليم ، وأن تتعهد الدول الأطراف فى العهد بجعل التعليم الإبتدائى إلزامياً ، وإتاحته مجاناً للجميع ، وجعل التعليم العالى متاحاً للجميع على قدم المساواة (المادتان 13 ، 14) ، وحق المشاركة فى الحياة الثقافية والتمتع بثمار التقدم العلمى (المادة 15) .
وقد ورد بالعهد أن الحقوق الواردة فى تلك الوثيقة قد يقيدها القانون ، وذلك فقط بمقدار توافق ذلك مع طبيعة الحقوق أو شريطة أن يكون هدفها الوحيد هو تعزيز الحياة الديمقراطية .
رابعاً : العهد الدولى للحقوق المدنية والسياسية
قامت الجمعية العامة للأمم المتحدة بإقرار العهد الدولى للحقوق المدنية والسياسية فى 16 ديسمبر 1966 ، ودخل حيز التنفيذ الفعلى فى عام 1976 ، ووقعت عليه مصر فى 4 أغسطس 1967 ، وبتاريخ أول أكتوبر 1981 أصدر رئيس الجمهورية قراره رقم 536 لسنة 1981 بالموافقة على العهد الدولى مع الأخذ فى الإعتبار أحكام الشريعة الإسلامية وعدم تعارضها معه وذلك مع التحفظ لدى التصديق ، وتم التصديق على العهد الدولى ونشره فى الجريدة الرسمية ، وتم العمل به إعتباراً من 14 أبريل 1982 .
وقد ألحق بالعهد الدولى .. البروتوكول الاختيارى The Optional Protocol الذى تمت الموافقة عليه فى 16 ديسمبر 1966 ودخل حيز النفاذ فى 23 مارس 1976 .
الحقوق والحريات الواردة فى نصوص العهد الدولى :
نص العهد الدولى على حق كل إنسان فى الحياة وأنه لا يجوز حرمان أحد من حياته تعسفاً (المادة 6) وعدم جواز إخضاع أى فرد للتعذيب أو لعقوبة أو معاملة قاسية أو غير إنسانية أو مهينة (المادة 7) وحق كل فرد فى الحرية والسلامة الشخصية وأنه لا يجوز حرمان أحد من حريته إلا على أساس من القانون وطبقاً للإجراءات المقررة فيه (المادة 9/1) ، وضرورة إبلاغ أى فرد يتم توقيفه بأسباب هذا التوقيف وإبلاغه على الفور بأى تهمة موجهة إليه (المادة 9/2) ، وحق كل فرد يتم توقيفه أو إعتقاله فى المثول أمام أحد القضاة بسرعة (المادة 9/3) ، وحق كل فرد يحرم من حريته فى إقامة دعوى أمام إحدى المحاكم لتفصل فى قانونية إعتقاله (المادة 9/4) ، وكذا حق كل فرد تم توقيفه أو إعتقاله دون سند من القانون فى الحصول على تعويض (المادة 9/5) .
ولقد نصت المادة (12) من العهد الدولى على حق كل فرد مقيم بصفة قانونية فى الدولة فى الإنتقال وفى إختيار مكان إقامته داخل ذلك الإقليم ، وحق كل فرد فى مغادرة أى قطر بما فى ذلك بلاده ، وأن هذه الحقوق تخضع للتنظيم القانونى ، وأنه لا يجوز حرمان أحد بشكل تعسفى من حق الدخول إلى بلاده .
إلا أن المادة (13) أجازت إبعاد الأجنبى المقيم بصفة قانونية فى إقليم دولة طرف فى العهد الدولى إستناداً إلى قرار صادر طبقاً للقانون ، ويسمح له – ما لم تتطلب أسباب إضطرارية تتعلق بالأمن الوطنى غير ذلك- بالتظلم من قرار الإبعاد .
كما أكد العهد الدولى على أن جميع الأشخاص متسـاوون أمام القضاء ، ولكل فرد الحق عند النظر فى أية تهمة جنائية ضده فى محاكمة عادلة وعلنية بواسطة محكمة مختصة ومستقلة وحيادية قائمة إستناداً إلى القانون (المادة 14/1) .
كما أكد العهد على أنه لا عقاب إلا على الأفعال المخالفة للقانون (المادة 15) ، وأن لكل إنسان الحق فى الشخصية القانونية (المادة 16) ، وأنه لا يجوز تعريض أى شخص على نحو غير قانونى لتدخل فى خصوصياته أو شئون بيته أو مراسلاته (المادة 17) ، كما أكد على حرية الفكر والوجدان والدين (المادة 18) ، وعلى حرية الرأى (المادة 19) ، وحق تكوين الجمعيات والنقابات (المادة 22) .
ومن الحقوق الأخرى المعترف بها أيضاً حق كل مواطن فى إدارة الشئون العامة ، وفى الإدلاء بصوته ، وفى الترشيح للإنتخابات ، وفى أن تتاح له – على قدم المساواة مع سواه – فرصة تقلد الوظائف العامة فى بلده.
ولقد تعهدت كل دولة طرف فى العهد باحترام وتأمين الحقوق المقررة به لكافة الأفراد ضمن إقليمها والخاضعين لولايتها دون تمييز من أى نوع ، سواء كان ذلك بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الديانة أو الرأى السياسى أو الأصل القومى أو غيره (المادة 2/1) ، كما تعهدت كل دولة طرف فى الإتفاقية أن تكفل علاجاً فعالاً فى حالة وقوع أى إعتداء على الحقوق والحريات المقررة لأى شخص فى هذا العهد حتى ولو ارتكب هذا الإعتداء من أشخاص يعملون بصفة رسمية (المادة 3/1) .
ومن ناحية أخرى فقد أكدت المادة (5/1) أنه لا يوجد فى العهد الدولى ما يمكن تفسيره بأنه يجيز لأية دولة أو جماعة أو شخص أى حق فى الإشتراك بأى نشاط أو القيام بأى عمل يستهدف القضاء على أى من الحقوق أو الحريات المقررة فى هذه الإتفاقية أو تقييدها لدرجة أكبر مما هو منصوص عليه فى الإتفاقية .
وأجاز العهد الدولى للدول الأطراف ، فى أوقات الطوارئ العامة التى تهدد حياة الأمة ، والتى يعلن عن وجودها بصفة رسمية ، أن تتخذ من الإجراءات ما يحلها من التزاماتها طبقاً للعهد إلى المدى الذى تقتضيه بدقة متطلبات الوضع ، على أن لا تتنافى هذه الإجراءات مع التزاماتها الأخرى بموجب القانون الدولى ودون أن تتضمن تمييزاً على أساس العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الديانة أو الأصل الإجتماعى (المادة 45/1) .
وبعد استعراض النصوص السابقة يمكن القول إن الأشخاص الذين يعيشون فى دولة طرف فى العهد الدولى ، أو الأشخاص الخاضعين للولاية التشريعية لتلك الدولة ، من حقهم أن يتمتعوا بالحقوق المكفولة فى العهد دونما تمييز ، وأن الدولة الطرف فى العهد عليها الإلتزام بما ورد به من أحكام ، والتعهد بتعديل قوانينها بما يجعلها متفقة مع الحقوق والحريات الواردة بالعهد الدولى .
ولا يتضمن العهد الدولى أحكاماً عامة تطبق على جميع الحقوق المنصوص عليها فيه ، أو تبيح فرض قيود على ممارستها إلا على سبيل الإستثناء وفقاً للتنظيم القانونى أو لحماية الأمن القومى فى حالات الطوارئ ، على أن يكون هذا التقييد بالقدر اللازم تماماً لمواجهة مقتضيات الحالة ، وتلتزم الدول الأطراف بالقيام دورياً بإبلاغ الهيئات الدولية بالتدابير التى اتخذتها ، وبالتقدم الذى أحرزته ، وبأية صعوبات واجهتها .
وفى الحالات التى تهدد حياة الأمة يجوز للحكومة المعنية أن تصدر إعلاناً رسمياً بوقف العمل بمعظم حقوق الإنسان شريطة أن تقتضى ظروف الحال مثل هذا الوقف ، وعدم تعارضه مع الإلتزامات الدولية الأخرى ، وأن تقوم الحكومة بإخطار الأمين العام للأمم المتحدة فوراً بذلك ، إلا أنه يوجد مجموعة من الحقوق لا يجوز أن تخضع للوقف مثل عدم التمييز بسبب العرق أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الأصل الإجتماعى ، وعدم جواز حرمان أحد من حياته تعسفياً ، أو تعريض أحد للتعذيب .
الرقابة طبقاً للعهد الدولى للحقوق المدنية والسياسية :
يجمع العهد الدولى والبروتوكول الإختيارى الملحق به ، بين ثلاثة أنواع من الرقابة : الأولى عن طريق التقارير (Reports) والثانية نظام الشكاوى (Claims) المقدمة من إحدى الدول الأطراف فى العهد ضد دولة أخرى طرف فيه إلى لجنة حقوق الإنسان المنبثقة عن العهد ، والثالثة هى نظام الشكاوى والتبليغات الفردية (Petitions) .
وقامت الدول التى صادقت على العهد الدولى بانتخاب لجنة حقوق الإنسان التى تتكون من (53) فرداً يعملون بصفتهم الشخصية ، ولا يعتبرون ممثلين لحكوماتهم ، وتختص اللجنة بالنظر فى البلاغات التى ترد إليها من دولة طرف تتهم فيها دولة أخرى طرفاً فى الإتفاقية بأنها لا تفى بالالتزامات المنصوص عليها ، وتعمل اللجنة كجهاز لتقصى الحقائق، ولها – طبقاً للبروتوكول – أن تنظر فى الشكاوى التى ترد إليها من أفراد يدعون أنهم ضحايا إنتهاكات حدثت من دولة طرف فى البروتوكول لأى من الحقوق التى نص عليها العهد الدولى .
وتقوم اللجنة ببحث ودراسة التقارير المحالة إليها من الأمين العام للأمم المتحدة بخصوص الإجراءات التى تتخذها الدول لتطبيق أحكام العهد الدولى لبيان مدى إتفاقها مع ما ورد به من أحكام (المادة 28) .
كما تقوم باستلام ودراسة الشكاوى المقدمة من إحدى الدول الأطراف فى العهد ضد دولة طرف أخرى لا تفى بإلتزاماتها الواردة به ، ولا تقبل اللجنة مثل هذه الشكاوى إلا إذا كانت مقدمة من دولة طرف ضد أخرى ، وإعلان كلتا الدولتين قبول هذا النوع من الرقابة ، حيث لا يكفى التصديق على العهد من جانب كلا الدولتين حتى يمكن إعمال هذه الرقابة (المادة41) .
وإذا أخفقت اللجنة فى التوصل إلى حل للشكاوى ، فيجوز لها تعيين لجنة توفيق خاصة بشرط الموافقة المسبقة للدول الأطراف المعنية ، وتقوم اللجنة ببذل مساعيها الحميدة بهدف التوصل إلى تسوية ودية (Settlement) للمسألة محل الخلاف .
ومن ناحية أخرى تختص اللجنة – طبقاً للبروتوكول – بفحص ودراسة الشكاوى والتظلمات الفردية الواردة من الأفراد الذين يدعون أنهم ضحايا الإعتداء على أى من الحقوق الواردة بالعهد الدولى ، ويشترط لقبول الشكوى أن تكون الدولة طرفاً فى البروتوكول ، وأن يقوم الشاكى باستنفاذ طرق الطعن الداخلية فى دولته (Exhaustion of domestic remedies) قبل التقدم بشكواه إلى اللجنة .
ورغم أن اللجنة فى بحثها لتلك الشكاوى لا تمارس إختصاصاً قضائياً ، إلا أنها تبدى رأيها فيما يتعلق بوجود انتهاك لحقوق الإنسان من عدمه ، وقد تطلب اللجنة من الدولة المعنية قبل حسمها لموضوع الشكوى ، إتخاذ الإجراءات اللازمة لتجنب الأضرار التى قد تصيب الشاكى .
وعلى صعيد آخر ، تجدر الإشارة إلى أن لجنة حقوق الإنسان قد أشادت بالنظام القانونى والدستورى المصرى فيما يتعلق بتوافقه مع العهد الدولى للحقوق المدنية والسياسية ، كما أشادت بالدور الحيوى الهام الذى قامت به المحكمة الدستورية العليا من أجل تحقيق الإنسجام والتوافق بين القوانين الداخلية وبين المعاهدات والمواثيق الدولية التى إلتزمت بها مصر .
وأكدت اللجنة أن الدور الذى تقوم به المحكمة الدستورية العليا فى مصر قد لا نجد له مثيلاً فى كثير الدول النامية وحتى فى بعض الدول المتقدمة ، وأن هذا الدور يمثل أحد الدعائم الرئيسية للديمقراطية فى مصر فى الآونة الأخيرة .
وبعد أن انتهينا من الحديث عن الإطار الدولى لحماية حقوق الإنسان وعرض الجهود التى بذلتها منظمة الأمم المتحدة فى سبيل ترسيخ وتعميق مفاهيم حقوق الإنسان من خلال الآليات التى قمنا بعرض موجز لها .
نود التأكيد على أنه رغم هذه الجهود المبذولة … فإن الواقع الذى نعيشه اليوم يفرض علينا القول إن دور منظمة الأمم المتحدة وقدرتها على حل المشكلات الدولية قد تراجع إلى حد كبير … وأصبحت النظرة إليها يكتنفها الكثير من الشكوك لأنها أصبحت تفتقر إلى المصداقية والشفافية والحياد فى حل المشكلات الدولية .
ولهذا تنامت وتعالت الأصوات فى أرجاء المجتمع الدولى التى تطالب – بحق – بضرورة تغيير النظام الأساسى لمنظمة الأمم
المتحدة .. لأن الظروف التى أنشئت فيها المنظمة عام 1945 تختلف جملة وتفصيلاً عن الظروف التى يعيشها المجتمع الدولى الآن … وتطالب هذه الأصوات بضرورة تفعيل المنظمة بأجهزتها المختلفة .. وكذا تعديل نظام العضوية بمجلس الأمن وتغيير نظام التصويت وإستخدام حق الفيتو .. بما يجعل المنظمة أكثر فاعلية وأكثر قدرة على حل المشكلات الدولية .
ونتيجة لذلك وافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة على تشكيل لجنة من عدد من الشخصيات الدولية المرموقة ذات الخبرة والكفاءة تعكف حالياً على دراسة السلبيات القائمة بالنظام الأساسى لمنظمة الأمم المتحدة وإقتراح التوصيات الملائمة التى تكفل تفعيل دور المنظمة وأجهزتها المختلفة بما يجعلها أكثر قدرة وفاعلية على حل المشكلات الدولية ، وتمثلت باكورة نجاحها فى صدور قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بالموافقة على إنشاء المجلس الدولى لحقوق الإنسان بدلاً من لجنة حقوق الإنسان على النحو السابق الإشارة إليه .